قصة شغف بعالم تركيب العطور عمرها أكثر من 37 عاماً، هي ما أكسبت يوسف محمد علي – الذي يعرف باسم يوسف بهاي – شهرته الواسعة في عالم الروائح، ومكّنته خبرة هذه السنوات الطويلة من القدرة على استرجاع عطور من غادروا الحياة بذكرياتهم، وذلك بعد شم قطع ملابسهم وما تبقى من روائحهم، فهو يركّب ويصيغ العطر بمكونات أصلها الحنين والذاكرة.
ويحمل يوسف – الذي يمتلك محلاً في سوق الذهب بديرة في دبي – فلسفة خاصة بالعطور وبتعريفها، إذ يؤمن بأن الثقة بالنفس والتواضع هي أجمل ما يمكن أن يتعطر به المرء، وبعدها تأتي رائحة الأريج الذي يستخدمه.
وعن بدء علاقته بهذا العالم، قال يوسف لـ«الإمارات اليوم»: «أعيش في الخليج منذ 37 عاماً، إذ قضيت في قطر سنوات، وانتقلت منها إلى دبي، وعملت بداية في التصوير الفوتوغرافي، وبعد فترة دخلت تركيب العطور مع إخوتي الذين عملوا في هذا المجال».
وأضاف: «ما يجمع بين التصوير وعالم العطور هو الإحساس، فالتصوير يتطلب الإحساس باللقطة كي يتمكن المصور من تقديمها بأفضل حلة ممكنة، كما أن تركيب العطور يتطلب الإحساس بالروائح، لهذا دخلت هذا الميدان مع إخوتي، وعندها بدأنا بتكوين عطور خاصة».
أثر المتوفى
اكتسب يوسف شهرته الواسعة لاسيما في منصات وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال تركيب عطور خاصة للذين يريدون استرجاع رائحة أحبة غيبهم الموت.
وأوضح: «يأتي كثير من الزبائن لأنهم يريدون مني تركيب عطر الوالد أو الوالدة أو الزوج، وعندما أنجح في ذلك بعد أن يحضروا لي أي قطعة تحمل أثر عطر الشخص المتوفى، وأرى فرحة الزبون أشعر وقتها بأنني فعلاً عطار، وهذا أكثر ما يسعدني»، مشيراً إلى أنه امتلك هذه القدرة على تركيب العطور من خلال إحساسه بالروائح، كما ينتج عطوراً خاصة به، مشدداً على أنه لا يريد من هذا الشغف أن يحوّله إلى تاجر كبير، بل جل ما ينشده هو إيصال الروائح والعطور المميزة للناس، على حد تعبيره.
فلسفة خاصة
يمتلك يوسف مفهوماً خاصاً للعطور، إذ يعتبر أن الثقة بالنفس والأسلوب المميز في التعامل والود في التعاطي هو أجمل ما يمكن أن يستخدمه الإنسان ليعطر به نفسه، فالشخصية هي العطر الأساسي، بينما ما يضعه المرء فوق ذلك هو مجرد مكملات تزيد الثقة بالذات.
وحول الطريقة التي يتبعها من أجل تركيب عطر للزبائن الباحثين عن شيء خاص بهم، لفت إلى أنه يسأل عن طبيعة الروائح المفضلة لدى المرء، وعن شخصيته وطبيعته، وبعدها يقوم بتركيب العطر المناسب له الذي قد يستغرق منه نحو يومين لابتكاره.
مدينة كل الجنسيات
أما ما يميز دبي في مجال العطور، فهو أنه يتوافر فيها كل شيء، كما يؤكد يوسف، فمن الممكن أن يتعطر المرء بدرهم، وكذلك بمليون درهم، إذ تجمع الكثير من الجنسيات، ولكل واحدة عطرها الذي يميزها، منوهاً بأن وجوده في سوق الذهب في دبي الذي يجذب زواراً من مختلف الثقافات والجنسيات، هو ما أكسبه الشهرة والنجاح والقدرة على تقديم العطر المفضل لكل شخص.
ويفتخر يوسف بكونه عطاراً، ويرى أنه يمتلك موهبة لا يمتلكها كثيرون، معتبراً أن التكنولوجيا اليوم تمكنت من نقل كل شيء سواء الصوت أو الصورة، لكنها لم تتمكن من اختراع تقنية تنقل العطر.
ورأى أن الحياة ملأى بالروائح «فكل ما يحيطنا بدءاً من البشر، مروراً بالأماكن، وصولاً إلى الأغراض التي نستخدمها في حياتنا اليومية، جميعها تتمتع بروائح تميزها، ولكن الناس لا يلتفتون إلى هذه الروائح التي تجذبني. فحاسة الشم هي الأهم على الإطلاق، ويتبين ذلك من العلاقة التي تبدأ بين المولود الحديث وأمه عبر هذه الحاسة منذ اللحظات الأولى التي يرى فيها الطفل نور الوجود».
العود على القمة
يجتذب يوسف زبائن من الإمارات وكل دول الخليج تقريباً، مرجعاً هذا النجاح إلى تقديمه ما يسعد الناس دون البحث عن الأرباح الكبيرة، مضيفاً: «العلامات التجارية الكبيرة تصنع العطور وتبيعها بأسعار عالية وذلك لأسباب عدة، فالعلامات تدفع مبالغ طائلة لمصمم زجاجة العطر، ومصمم العلبة وغيرهما من تفاصيل الإنتاج، لذا يرتفع السعر».
أما أبرز مكونات العطور المرغوبة في الإمارات فهي – حسب يوسف – العود، خصوصاً أن الكثير من العطور ترتبط بالعادات والتقاليد، ناصحاً الباحثين عن عطر مميز بضرورة اختيار ما اعتادوه، مع البحث عما هو متميز والالتزام بخط معين.
وذكر أن كل جنسية تتميز بميلها إلى روائح معينة، فأهل بلاد الشام يحبون الروائح المنعشة، بينما يميل الهنود أكثر إلى استخدام الياسمين في عطورهم.
• 37 عاماً قضاها يوسف في عالم الروائح أكسبته خبرات كبيرة.
يوسف بهاي:
• «التواضع أجمل ما يمكن أن يتعطر به المرء، وما يضعه فوق ذلك هو مجرد مكملات».
• «دبي يتوافر فيها كل شيء، فمن الممكن أن يتعطر المرء بدرهم، وكذلك بمليون درهم».
دموع «جوهرة ثمينة»
روى يوسف بهاي قصة أثرت فيه كثيراً، إذ أتته قبل سنوات هندية تبلغ 65 عاماً، تحمل قطعة من ملابس زوجها المتوفى وكأنها جوهرة ثمينة، وطلبت منه أن يقوم بتركيب عطر مماثل لبقايا عطر الراحل على القطعة.
وطلب منها يوسف الجلوس واستغرق الأمر وقتاً حتى تمكّن من تركيب العطر المشابه، وحين قدمه للسيدة انهمرت دموعها لتطابق المركّب الجديد مع عطر زوجها الراحل، إذ كانت هذه اللحظة مميزة بالنسبة له، وفي كل مرة يعيشها يشعر بسعادة لكونه عطاراً.
التعليقات