التخطي إلى المحتوى

الشارقة – أشرف إبراهيم
تعلقت الكاتبة أسماء الزرعوني منذ بدايتها في عالم الأدب بعوالم السرد فأسست لشعريته في حدائق العمر، فهي من الأسماء التى شكلت أسلوباً خاصاً في بيئتها الخليجية، ومنذ أن نشرت لها صحيفة «الخليج» أول قصة تحمل اسمها عام 1988 «عندما يجف النبع» وهي تحلّق بشفافيتها المعهودة التماهي مع سرد القصة القصيرة والرواية، ومن ثم أدب الطفل، وكتابة الشعر، إذ في حصاد العمر ما يقرب من ثلاثين عملاً يسكن ذاكرة الثقافة الإماراتية، فقد تميز أسلوبها بعبق يُستوحى من روعة المكان وتجليات البيئة المحلية ما يجعل لذكر التفاصيل والأمكنة بهاء آخر، يستحيل ضوءاً على مرمى البصر، فهي تخلص لفنونها الأدبية وتغرد خارج السرب بإثارة موضوعات تضج بالبريق، وتختصر الزمن، وتسافر في متاهات الجمال، إذ حملت على عاتقها مهمة ابتكار قصص للأطفال تمزج واقع الآباء والأجداد وسيرتهم الحميدة، ومن ثم تعمل على تأصيل الأخلاق لتعيد لزمنهم الحاضر دورته الطبيعية، وتمنح غدهم إشراقاً، وقد حظيت بتكريمات وفازت بجوائز وتم تدريس قصصها القصيرة في مناهج التربية والتعليم بالدولة، كما أنها تحظى بعضويات مهمة تعمق مسيرتها الأدبية.

وفي روايتها الجديدة تستدعي الزرعوني مشاهد وشخوصاً وهي تحزم أمرها في أن يكون هذا العمل السردي التي اختارت له اسم «القصر» حصيلة ما تختزله في مسيرتها المفعمة بعطر التجارب عن بيئتها التي نشأت فيها، فهي تكتب رواية تطرح مأساة لها بُعد إنساني من خلال بطلة تعاني تربصات كثيرة في حياتها وهي تسند على حائط ذكرياتها، وتختبر إنسانيتها فتلتقط الكاتبة عدة مشاهد سخية في مناطق السرد لتظفر بتصوير نفسي دقيق لآلام البطلة وجراحاتها ومعاناتها النفسية، ومدى قدرتها على التحاور مع الشخوص الذين لا يتجاوز عددهم العشرة في لوحة السرد المصفى التي تشكله الزرعوني بمهارة، وهي ترتقي بقضية هذه الأنثى حتى يتسنى لها أن تتغلب على قسوة الحياة، هكذا تتدفق الزرعوني بحيوية بين مناطق السرد وتجسد المعاناة كاملة.

وعلى الرغم من أن أسماء الزرعوني منشغلة بالسرد ويمثل لها أولوية خاصة فإنها لا تهجر الشعر الذي منحها حرية التعبير، فدائماً يستقر شراعه في وجدانها وهي تمضي به في الاتجاهات كافة لتعبر عن مواجيدها ونماذجها الغارقة في لجة الحياة الإنسانية، فتسكن ظلال الشعر وهي ترنو إلى تجمع العديد من قصائدها النثرية لكي تتخير منها لديوانها الجديد الذي يتشح برياض أخرى في مسيرتها الشعرية.

وتعتز الزرعوني بتجربتها في كتابة أدب الطفل الذي تستحضر فيه عبق التقاليد، فقد صدر لها مجموعة قصصية حملت عنوان«العم جمعة» وهو أحدث إصداراتها الموجهة للطفل، حيث رسخت فيه لقيم التسامح التي جبل عليها المجتمع الإماراتي، ولا تزال تحاول المضي قدماً في امتصاص رحيق التجارب الإنسانية لتعمق القيم في القصص التي تكتبها حالياً لهذه الفئة التي تتوفر لها ولقضاياها حتى تظل مرتبطة بهويتها، ومتمسكة بماضيها، ومزهوة بحاضرها، وحالياَ تعيش الزرعوني مع الكتب التي تتناثر على طاولة القراءة في عالمها الواقعي، لتتوفر أكثر لمطالعة إهداءات الأدباء والكتب التي تخيرتها لتستجم بها، وتأخذ استراحة محارب من الكتابة قليلاً.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *