التخطي إلى المحتوى

ضربة موجعة تكبدها جيش النظام السوري على يد تنظيم “داعش” إثر كمين استهدف حافلة مبيت لجنوده في ريف دير الزور، شرق سوريا، أودى بحياة 33 جندياً وعشرات الجرحى، مما يثير تساؤلات حول أسباب عودة التنظيم إلى هجماته الدموية في هذا التوقيت بعد فترة طويلة من الانزواء منذ دحر في معركة الباغوز 2019.

ولعل هذا الهجوم ليس الوحيد، لكنه الأشرس والأكثر حدة، وسبق ذلك ضربات استهدفت أرتال إمداد الوقود على طريقة الأكمنة في بادية دير الزور، التي تتأهب لخوض معركة بعد حشد أطراف النزاع قواتها نحو المنطقة شرقاً، في حين تلقت القاعدة الأميركية في حقل كونيكو للغاز في الشمال الشرقي لريف دير الزور هجمات صاروخية دون معرفة حجم الخسائر، ظهر اليوم السبت 12 أغسطس (آب) الجاري.

التوتر والأمير الجديد

وأثارت عودة عناصر “داعش” وهجماتهم المتتالية تساؤلات عن محرك التنظيم واختياره للمكان والزمان وما علاقة التدريبات العسكرية عبر المناورات الروسية السورية المشتركة في وسط البلاد من جهة، وكذلك التدريبات الأميركية مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” من جهة أخرى، بحضور فلول “داعش” إلى ساحة المعركة.

وربط المتخصص في شؤون السياسة الإيرانية سعد الشارع “الهجمات الأخيرة بتنصيب أمير جديد للتنظيم في مطلع شهر أغسطس، حيث تسلم أبو حفص الهاشمي القرشي موقع الإمارة وإدارة شؤون التنظيم خلفاً للحسيني القرشي الذي سقط في اشتباكات شمال غربي البلاد”، مشيراً إلى أنه “مع وصول القائد الجديد بدأت الأمور تتجه نحو رسم معالم جديدة لسياسة عمل داعش، وبدايتها الحرص على تحقيق مكسب على الأرض”. ويقول الشارع إن “هناك معلومات تفيد بتغيير في القيادات العسكرية والأمنية ضمن قطاع داعش بالمنطقة، بالتالي يتوقع من القيادة الجديدة أن تكون أكثر عزماً نحو ترتيب البيت الداخلي لمجموعاتها، ومن ثم شن عمليات نوعية وخاطفة، مع العودة إلى نهج سار عليه قبل سقوط آخر معاقله بالباغوز”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من المعلوم أن “داعش” يوجد في منطقتين رئيستين في سوريا، الأولى في الجهة الجنوبية من محافظة الحسكة التي تنتهي حتى ريف الباغوز من جهة ريف دير الزور الشرقي. ويعتقد الشارع أن “هذه البادية محاذية تماماً للحدود العراقية، وبالطرف الآخر من العراق توجد بادية الحضر، والأكثر انتشاراً في غرب الفرات، وهي البادية السورية أو المعروفة بالبادية الشامية، والتي تتوسطها مدينة تدمر، حيث تنتشر مجموعات كبيرة يتجاوز عددها 1500 مقاتل”.

ويرى المتخصص السياسي في الشأن الإيراني أن هذه المنطقة، ويقصد غرب الفرات، تحوي الطرق الرئيسة التي تربط المحافظات السورية، لا سيما العاصمة دمشق مع محافظة حمص والمحافظات الشرقية، وتحديداً الطريق الرئيس الذي يربط محافظتي دمشق ودير الزور وتستخدمه بكثرة الفصائل المسلحة الموالية لإيران لكونه ينتهي بمدينة البوكمال السورية الحدودية مع العراق، وهو ذاته الطريق البري الوحيد الذي تسلكه الفصائل الإيرانية بين سوريا والعراق. وأردف “يستغل التنظيم هذا الوضع الجغرافي في شن عمليات عسكرية وأمنية، وهي عمليات غير مكلفة، حيث يدفع بعدد قليل من أفراده لا يتجاوز عشرة عناصر يشنون هجمات، سواء على نقاط الارتكاز للفصائل الإيرانية أو الجيش النظامي على أطراف هذه البلدات أو مهاجمة الأرتال العسكرية التي تتحرك في هذه المنطقة، وخلال الثلاثة الأشهر الماضية كان لافتاً انخفاض حدة العمليات، لكن منذ ثلاثة أسابيع يبدو أن وتيرة العمليات قد نشطت”.

في المقابل، وبعيداً من أرض المعركة تتسارع التطورات السياسية، وبدا مدهشاً التفاهم الأميركي – الإيراني بإطلاق سراح خمسة أميركيين مقابل إفراج واشنطن عن مليارات من الدولارات قد جمدت في البنوك الأميركية، ما أثار تساؤلات عن تفاهمات جديدة بين خصوم الأمس وهل ستؤثر في النزاع في شرق سوريا وانسحاب طهران من دعم روسيا في حربها بأوكرانيا.

“الذئاب المنفردة”

إزاء ذلك تتضارب الآراء في ما إذا كان تنظيم “داعش” يحاول الضغط عسكرياً ليظهر قوته في رسم خرائط الاشتباكات وخطوط التماس، بينما يرى مراقبون أنه لا يمكن فصل ذلك عن التصعيد والتوتر الحاصل بين القوات الروسية والأميركية.

ويعتقد المتخصص في شؤون السياسة الخارجية السورية محمد هويدي أن “حراك (داعش) لا يمكن عزله عن تطورات الأوضاع الأخيرة والمتوترة بين واشنطن ودمشق ومساعي سوريا لاستعادة أراضيها شرقاً، وهذا المشهد يمكن أن يستغله التنظيم وسط الحشود العسكرية من كلا الطرفين لاستهداف القوات النظامية”، مشيراً إلى أن أحد الأسباب قد تكون معلومات استخباراتية قدمت لـ”داعش” لتخفيف الضغط الناتج من عبور سوريا شرق الفرات. وأضاف “أتوقع نهجاً جديداً لـ(داعش) بطريقة عمل تسمى (الذئاب المنفردة) تستغل الثغرات لاستهداف المدنيين وقوات الجيش النظامي وسط التحضيرات العسكرية والأجواء المتوترة، ولعل المرحلة القادمة عنوانها الأبرز عودة (داعش)”.

ويرى الباحث هويدي أن “توقيت هجمات داعش بالغ الحساسية وحرج جداً لكل الأطراف العسكرية على الأراضي السورية”، مستدركاً، “إلا أن العملية العسكرية باتت قاب قوسين أو أدنى، ولعل محاولة مناكفة الجيش النظامي لن تعوقها بأي شكل من الأشكال”. ويضيف “باتت الخيارات ضيقة أمام جميع الأطراف، حيث لا أفق لحل سياسي، بينما يعمل كل طرف على مشروعه في سوريا، فهناك مشروع أميركي لقطع طريق طهران بغداد دمشق بيروت، ووصل منطقة البوكمال النابعة للنفوذ الإيراني مع منطقة الـ55 كيلومتراً”.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *