برزت المضخات الحرارية بوصفها بديلًا صديقًا للبيئة، في إطار التحول إلى الطاقة النظيفة والابتعاد عن مصادر الوقود الأحفوري التي تفاقم غازات الاحتباس الحراري.
ويُمكن أن تنتج المضخات الحرارية -الهوائية أو الأرضية- نحو 3 كيلوواط/ساعة أو أكثر من الحرارة لكل كيلوواط/ساعة من الكهرباء المستعملة لتشغيلها.
وخلال أشهر الشتاء، تنقل المضخات الحرارة من خارج المنزل وتستعملها لتدفئته، وخلال أشهر الصيف الحارّة، تحول الحرارة داخل المنزل للخارج.
وعلى الرغم من كفاءتها مقارنةً بالأجهزة التقليدية، تواجه الحكومات في أوروبا وبريطانيا تحديات من ندرة الإمدادات وارتفاع التكاليف لنشر هذه المضخات، وفق ما جاء في تقرير طالعته منصة الطاقة المتخصصة، ونشرته صحيفة “فايننشال تايمز” (Financial Times).
عقبات انتشار المضخات الحرارية
يُعد تبديل أنظمة التدفئة أمرًا مكلفًا ومعقدًا لأصحاب المنازل، ما يعوق الطلب؛ ومع ذلك، لم تُكافأ الحكومات التي حاولت فرض التغيير المطلوب.
وعلى سبيل المثال، أصبحت خطط ألمانيا بشأن مبيعات المضخات الحرارية المزدوجة غير واضحة، بعد رد فعل عنيف على اقتراح حزب الخضر بحظر غلايات الغاز والنفط، الأمر الذي ترك الحكومة في أزمة.
وتمثّل المضخات الحرارية نسبة تقل عن 6% من أنظمة التدفئة المركبة في ألمانيا، إذ تستعمل الغالبية العظمى من المنازل غلايات النفط أو الغاز.
وتريد برلين أن تكون الأنظمة المثبتة حديثًا مدعومة بالطاقة المتجددة بنسبة 65% على الأقل بدءًا من العام المقبل (2024).
يُذكر أن مبيعات المضخات الحرارية في أوروبا شهدت نموًا قياسيًا بنسبة 40% تقريبًا خلال 2022، لتصل إلى 3 ملايين وحدة، مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.
عوامل نجاح المضخات الحرارية
حققت الدول التي تكون فيها الحوافز المالية أكثر وضوحًا، نجاحًا أكبر في نشر المضخات الحرارية، وفق ما جاء في التقرير الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وقالت الرابطة الأوروبية للمضخات الحرارية، إن أزمة أسعار الغاز في أوروبا العام الماضي (2022) ساعدت على إطلاق “نقطة تحول”، إذ نمت المبيعات بنسبة 39% في عام 2022 مع تركيب ما يقرب من 20 مليون مضخة الآن في أوروبا والمملكة المتحدة.
وتختلف الأسعار الوطنية بصورة كبيرة، اعتمادًا بصفة عامة على تكاليف الطاقة، ومخزون التدفئة الحالي، ومزيج الثواب والعقاب الذي تطبقه الحكومات.
وعلى سبيل المثال، ربما أصبحت النرويج غنية لكونها منتجًا كبيرًا للنفط والغاز، لكنها بدأت الابتعاد عن التدفئة التي تعمل بالنفط بعد أزمة النفط عام 1973، وحظرت استعمال النفط والبارافين للتدفئة في عام 2020.
ومع احتياطياتها الهائلة من الطاقة الكهرومائية، تحولت النرويج إلى التدفئة الكهربائية والمضخات الحرارية.
وقد أدى ارتفاع أسعار الكهرباء في العام الماضي (2022) إلى زيادة الاستهلاك، وفقًا للأمين العام لجمعية المضخات الحرارية النرويجية رولف هاغيموين، الذي ركّب مؤخرًا مضخة حرارية في كوخه الجبلي.
وكانت بولندا من بين الدول الرائدة الأخرى في العام الماضي (2022)، إذ تضاعفت المضخات الحرارية المركبة، بفضل قواعد الهواء النظيف، بالإضافة إلى الإعانات التي تغطي ما يصل إلى 90% من تكلفة استبدال الغلايات.
وفي إيطاليا، أدت الإعفاءات الضريبية التي تصل قيمتها إلى 110% من تكلفة تحسين كفاءة الطاقة، إلى تعزيز المبيعات لتصبح سابع أعلى نسبة في أوروبا العام الماضي (2022).
زيادة الإنتاج لتلبية الطلب
بدأت الشركات زيادة إنتاج المضخات الحرارية لتلبية الطلب المتزايد، إذ وضعت شركة ميديا (Midea) الصينية خططًا للنمو في أوروبا من خلال بناء مصنع للمضخات الحرارية في إيطاليا.
كما تعهدت شركة فيلانت (Vaillant) الألمانية بنحو ملياري يورو (2.2 مليار دولار أميركي) لتعزيز أعمالها، بما في ذلك مصنع جديد في إسبانيا لزيادة طاقته الإنتاجية إلى أكثر من الضعف لتصل إلى 500 ألف وحدة سنويًا.
وقالت شركة بوش (Bosch) الألمانية، إنها ستستثمر أكثر من مليار يورو (1.1 مليار دولار) للتوسع في ألمانيا والبرتغال والسويد، وبناء مصنع جديد في بولندا.
من جانبها، تنفق شركة كاريير غلوبال (Carrier Global) الأميركية 12 مليار يورو (13 مليار دولار)، للاستحواذ على شركة فيسمان (Viessmann)، وهي مجموعة ألمانية لمعدات التدفئة.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة ديفيد غيتلين، إن أوروبا هي “السوق المنفردة الأكثر جاذبية في العالم”، وتوقع أن تتضاعف مبيعات المضخات الحرارية في الاتحاد الأوروبي 3 مرات، لتصل إلى 15 مليار دولار بحلول عام 2027.
تراجع بريطاني لهذه الأسباب
على الرغم من النجاح في عدد من الدول الأوروبية، تبرز المملكة المتحدة بوصفها متخلفة عن الركب، إذ بيعت 1.9 مضخة حرارية فقط لكل 1000 أسرة في العام الماضي (2022)، بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء مقارنةً بالغاز.
وتبلغ تكلفة الكهرباء -حاليًا- 30 بنسًا لكل كيلوواط/ساعة مقارنةً بـ8 بنسات لكل كيلوواط/ساعة للغاز، بموجب سقف السعر الذي يحكم معظم فواتير الطاقة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تكاليف السياسة المفروضة على أسعار الكهرباء، التي تتطلع الحكومة إلى تغييرها.
وقالت العضوة في اتحاد المضخات الحرارية البريطانية شارلوت لي: “هناك ارتباط واضح بين أسعار الكهرباء المنخفضة وارتفاع اعتماد المضخات الحرارية”.
ويُمكن أن تظل المدخرات الناجمة عن تركيب هذه المضخات مرتفعة، إذ يُقدر مالك منزل في ديربيشاير أنه وفّر نحو 930 جنيهًا إسترلينيًا (1180.5 دولارًا) في الأشهر الـ4 الأولى فقط، بعد تركيب مضخة حرارية وألواح شمسية واستئجار سيارة كهربائية.
وتختلف التكاليف الأولية، لكن التقديرات تشير إلى أن تكلفة شراء مضخة حرارية وتركيبها في بريطانيا تتراوح بين 7 آلاف و15 ألف جنيه إسترليني (بين 8.9 ألف دولار و19 ألفًا)، بحسب ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ويعمل الموردون -بما في ذلك شركة أوكتوبوس إنرجي (Octopus Energy)- على خفض التكاليف، على الرغم من وجود جدل حول المدى الذي يمكن أن تنخفض فيه.
هناك -أيضًا- حواجز بيروقراطية في المملكة المتحدة حتى لو انخفضت التكاليف، إذ يحتاج أصحاب المنازل في إنجلترا إلى إذن تخطيط لوضع مضخة حرارية على بعد أقل من متر واحد من حدود العقار.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
التعليقات