تحمل مخزونات الليثيوم في إيران المكتشفة حديثًا قدرة على تغيير ملامح مشهد سلاسل التوريد العالمية الحالية التي تهيمن عليها الصين، وسط مساعٍ غربية حثيثة للتخلص من تلك القبضة.
وأعلنت وزارة الصناعة الإيرانية، خلال شهر مارس/آذار 2023، اكتشاف الليثيوم لأول مرة في البلاد بمحافظة همدان غربًا.
ويُعد الليثيوم -الذي يُطلق عليه نفط القرن الـ21- مكونًا أساسيًا لصناعة بطاريات الأجهزة والسيارات الكهربائية، كما يزداد الطلب عليه بقوة في إطار توجه عالمي لخفض الانبعاثات والتحول الأخضر.
وفي هذا الصدد، حلّل معهد “لوي” الأسترالي للأبحاث الدولية، في تقرير حديث له، أثر اكتشاف الليثيوم لدى إيران في أوساط الصناعة العالمية، خاصة بالنسبة إلى الصين وأستراليا.
فالصين هي أكبر مستورد ومعالج لليثيوم في العالم، ومصنّع كبير لبطاريات الليثيوم، أما أستراليا فهي المصدر الرئيس لتزويد الصين به.
آفاق اكتشاف الليثيوم في إيران
يُقدّر حجم الليثيوم في إيران بـ8.5 مليون طن، وهو ما قد يؤهل الدولة الآسيوية لتكون ثاني صاحبة احتياطي له في العالم بعد تشيلي التي تحتضن 9.2 مليون طن متري منه على أراضيها.
وفي ظل النمو المتزايد للطلب على الليثيوم عالميًا، يحمل الاكتشاف المفاجئ آفاقًا واعدة لاقتصاد إيران التي ترزح تحت وطأة العقوبات الغربية والأميركية منذ زمن طويل.
كما يشكّل الاكتشاف نقطة فارقة في السباق الجيوسياسي لتأمين سلاسل توريد الليثيوم الذي يتهافت عليه الجميع، على غرار النزاعات على النفط سابقًا.
وتوقّعت كاتبة التقرير مارينا يويه تشانغ، أن يؤدي الاكتشاف الإيراني إلى تغيير قواعد سلاسل التوريد العالمية، إذ تستورد الصين ما يتراوح بين 70 و74% من احتياجاتها من الليثيوم من أستراليا والبرازيل وكندا وزيمبابوي.
ويحمل ذلك فرصة لا تعوض للصين لتقليل اعتمادها على مزوديها التقليديين، والاستثمار أكثر في قطاع الليثيوم الوليد بإيران.
وجاءت الصين في المرتبة الـ3 على قائمة أكبر الدول المنتجة للّيثيوم في العالم، بنحو 19 ألف طن، أي ما يعادل 14.6% من الإنتاج العالمي.
كما تستحوذ بكين على أصول ليثيوم تُقدَّر بـ5.6 مليار دولار في تشيلي وكندا وأستراليا وزيمبابوي، بالإضافة إلى 60% من قدرات تكرير الليثيوم العالمية من فئة البطاريات، بحسب تقرير أعدته وحدة أبحاث الطاقة.
ويوضح الإنفوغرافيك التالي -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- وجود الصين على قائمة أكثر دول العالم إنتاجًا لليثيوم:
إمكانات صينية هائلة
يدعو التقرير إلى إعادة تقييم ديناميكيات سلسلة توريد الليثيوم العالمية، في ضوء اكتشافه في إيران واحتمالات التقارب الصيني الإيراني.
واستشهد في ذلك بتصريح لرئيس شركة تيسلا الأميركية للسيارات الكهربائية، إيلون ماسك، بقوله إن العامل الحاسم في صناعة إنتاج بطاريات الليثيوم لا يتعلق بالسيطرة على موارد الليثيوم وإنما القدرة على معالجتها.
تلك العوامل تمتلكها الصين، وتجعل في يدها ميزات تفوق نظراءها العالميين لعقود مقبلة، بحسب التقرير.
ولم تأتِ قيادة الصين لسلاسل توريد الليثيوم العالمية من فراغ، فقد جاءت بعد تخطيط إستراتيجي ومتعمد ودروس استقتها من موقعها في منتصف سلاسل قيمة صناعة الصلب العالمية.
وبدعم من كل تلك الخبرات، أعدت بكين إستراتيجيات للتحول نحو الطاقة النظيفة، وكان على رأسها السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم.
وتتحكم شركتان صينيتان في 30% من سلاسل توريد الليثيوم العالمية، وهما “غانفنغ” و”تيانتشي”.
كما مكّنت الأرباح الناتجة عن معالجة الليثيوم شركات الإنتاج ومصنّعي البطاريات، من زيادة استثماراتهم في التطوير التكنولوجي لتعزيز عمليات التكرير وإدارة المخلفات، وكانت الحكومة داعمة لكل ذلك عبر السياسات والإعانات المالية.
وفي مواجهة الصعود القوي للتنين الآسيوي، أعلنت الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وفرنسا وألمانيا واليابان والمملكة المتحدة إقامة “تحالف المعادن النادرة المستدام” في العام الماضي (2022)، لإزاحة الصين عن صدارة المشهد.
وفي مواجهة ذلك، يحمل اكتشاف الليثيوم في إيران خطوة دفاعية قوية للصين في مواجهة الخطوات الغربية.
ويوضح الرسم التالي -أعدته منصة الطاقة المتخصصة- الدول صاحبة أكبر احتياطيات لليثيوم في العالم:
العلاقات الصينية- الأسترالية- الأميركية
من المحتمل أن يؤدّي اكتشاف الليثيوم في إيران إلى تقليل اعتماد الصين على أستراليا التي تصدّر 95% من احتياجات بكين من الليثيوم.
وحال عززت الصين علاقاتها الاقتصادية مع إيران عبر مبادرة الحزام والطريق، يمكن إقامة شراكات واعدة تتعلق بسلاسل توريد مواد الطاقة النظيفة ومنها الليثيوم.
ورغم عدم وضوح معالم الليثيوم الإيراني وموعد وتكلفة إنتاجه وتكريره، فإنه يحمل في باطنه إمكان تغيير مشهد سلاسل توريد الليثيوم العالمية، ليقل الاعتماد على أستراليا لصالح إيران.
وفي حال صحة حجم مخزون الليثيوم في إيران، ربما قد تجد أستراليا نفسها بين شقي رحى من الناحية السياسية والاقتصادية.
فهي حليفة قديمة للولايات المتحدة، وقد تواجه ضغوطًا من قبل واشنطن لتحجيم صادرات الليثيوم إلى الصين، وهو ما سيؤدي إلى تصعيد حدة التوترات.
واقتصاديًا، ربما يهدد اكتشاف الليثيوم في إيران استمرار أستراليا في تصدّر قائمة منتجيه في العالم.
يُشار هنا إلى أن أستراليا حلّت في المركز الأول بقائمة أكبر الدول المنتجة للّيثيوم في العالم، بحجم إنتاج بلغ 61 ألف طن، أي ما يعادل 46.9% من الإمدادات العالمية خلال العام الماضي 2022.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
التعليقات